fbpx

الأسس الجمالية لفن الخط العربي، بقلم/ خليل محمد الكوفحي

مقدمة:

تتحقق القيم الخطية من خلال كيفية وضع العناصر أو المفردات التشكيلية التي تؤدي إلى جانب وظيفتها في البناء الخطي دوراً جمالياً، الذي بدوره يرتبط بوضع هذه العناصر على مسطح التصميم وعلاقاتها المتبادلة بما يجاورها من عناصر تحقق القيم الفنية الكاملة، والتي تمثل الهدف الجمالي والوظيفي الذي يحاول الخطاط تحقيقه من العمل الخطي بعد تصميمه الذي يحتوي على ذاتية الخطاط وفرديته في التكوين والأسلوب، فلكل خطاط كيفيات خاصة تتطلب منه مراعاتها بالصورة التي توصل إلى الهدف من العمل الخطي سواء أكانت فكرية أم جمالية أم ابتكارية. ومن هذه العناصر:

الإيقاع الخطي:

الإيقاع الخطي بمفهومة الشامل هو ترديد الحركة بصورة منتظمة تجمع بين الوحدة والتغير، فالحياة والكون بكل مظاهرهما يخضعان لعاملين رئيسين هما الحركة والتغير اللذان يمثلان السمة الأساسية التي تحكم انتظام واطراد العلاقات والأشكال سواء في الأشكال الطبيعية أو الأعمال الخطية.

عندما يستخدم الخطاط الإيقاع الحقيقي فهو بذلك يضفي الحيوية والديناميكية والتنوع وجماليات النسبة المتوازية داخل نظام البناء الخطي بما يحوي من قيم لعناصر الحروف والمساحات والفراغات بينهما وبين الكلمات.

ولا بد هنا من ذكر بعض القيم الفرعية التي تبرز الإيقاع الخطي، وهي بمثابة التنظيمات والصور التي تحقق عنصري الإيقاع المتصلين دائماً وهما الامتداد والزمان.

ومن هذه القيم الفرعية للإيقاع هو التكرار الإيقاعي ويعني إدراك الحركة الخطية في ترتيب وتكوين الحروف والكلمات، وكيفية معالجة هذه الحروف والكلمات في التكوين الخطي المتكامل، والطريقة التي يلجأ إليها الخطاط في التعامل مع هذه العناصر الخطية. ففي هذه الحالة يعتمد الخطاط المصمم على التكرار مستثمراً بذلك أكثر من حرف وكلمة قائمة على توظيف تلك الكتلة الخطية خلال ترديدات دون خروج ظاهر عن قواعد الحروف، بحيث أنه لا يفقد البناء الخطي خصائصه التكوينية، والتكرار في الحروف والكلمات بهذا المعنى هو إشارة إلى امتداد تلك الحروف واستمراريتها المرتبطة بتحقيق الحركة على مسطح اللوحة الخطية ذات الطول والعرض، كما يرتبط مفهوم التكرار أيضاً بالجاذبية والتشابه وقيمة الإنتاج في العمل الخطي.

أما القيمة الأخرى للإيقاع فهي الإيقاع من خلال التدرج، وهذه القيمة مهمة في العمل الخطي، وهي التدرج في توصيل الحروف بالكلمات وربطها ضمن القواعد الأصلية دون إحداث تكوينات خطية دفعة واحدة، وهي تتوقف على قدرة الخطاط على جعل عين المشاهد تنتقل بين العناصر الخطية من حروف وكلمات وأشكال تزيينية أو زخارف، فكلما كانت تنتقل بشكل واسع مريح بين تلك العناصر يبعث ذلك إحساساً بالراحة والهدوء في معرفة تلك العبارات الخطية ومعانيها، ولا بد أيضاً بأن يعتمد كل عمل خطي على تحقيق التغير والتنغيم الإيقاعي بحيث لا يفقد العمل وحدته، بمعنى أن يقوم على تنوع من التنظيم للحفاظ على الوحدة، أي قدرة الخطاط على التنوع في شكل الحروف من نفس النوع الخطي، وذلك ممكن حتى في الكلمة الواحدة، بشرط توفير نظم واضحة لوحدتها ومفهومها اللغوي والجمالي معاً. والتواصلية أو الاستمرارية الحروفية صفة أساسية تميز الإيقاع حتى نهاية العمل الخطي مرتبطاً ذلك بتحقيق تكرار الأشكال داخل العمل الخطي، كما أن الاستمرارية تعطي العمل صفة الترابط بين أجزائه، فيمكن للخطاط أن يحقق التوحيد في تصحيحه الخطي المعقد الذي يتضمن حروف تشغل درجات متفاوتة في نمو الأشكال الحروفية، وتنتج كلمات ذات قيم متنوعة، وفراغات ذات قوى مختلفة عن طريق ما يكشف فيما بينها من أنواع من الاستمرار.

kh00

 الاتزان الخطي:

قد لا نشعر بالراحة عندما لا تكون الأشياء من حولنا متزنة، فأي إنسان يبحث دائماً عن الاتزان الذي يعطيه تلك الراحة التي يبحث عنها، ويجد فيه الجمالية الكامنة في الاتزان.

والاتزان هو الحالة التي تتعادل فيها القوى المتضادة، وهو أيضاً ذلك الإحساس الغريزي الذي ينشأ في نفوسنا عن طبيعة الجاذبية، فالتوازن إذاً في الأعمال الخطية هو من أهم الخصائص الرئيسية التي تلعب دوراً كبيراً في توازن وضبط الحروف من حيث الاعتماد على الدقة في رسم الحروف، واستقراره على الخط الأفقي أو الرأسي إن كانت الحروف ممتدة للأعلى، فالحروف المتزنة تحقق الإحساس بالراحة النفسية حين النظر إليها.

فالخطاط الذي لا تتحقق في حروفه قوة في اتزانها وضبطها تكون عديمة الإحساس وبعيدة عن راحة النفس، فيجب على الخطاط أن يتجه نحو تحقيق التوازن بين الحروف، فكلما كانت حروفه منضبطة كانت متزنة، وتنظيم كافة عناصر عمله الخطي لضرورة ذلك من الناحية الفنية، وثانياً لأن الحياة من حولنا متزنة بطبيعتها، فيجب على الخطاط أن يشعرنا من خلال عمله الخطي بالاستقرار والاتزان في حروف الكلمات الخطية، حتى يؤثر في المشاهد ويشده ذلك التوازن ليقوم بدور البحث عن مكنونات العمل والتزود المعرفي لفكره ومعانيه.

وهنا لا بد من ذكر أن توازن الحروف والكلمات لا يأتي بالقواعد الصارمة، فالخطاط المصمم يحقق التوازن الحروفي والكلامي من خلال إحساسه العميق خلال تنظيم الحروف والكلمات ونظام السطر والارتفاعات والألوان. إن كان العمل الخطي ملوناً بدرجات الفاتح والغامق، كذلك عن طريق حسن توزيع تلك العناصر الخطية وتناسق علاقتها ببعضها وبالفراغات المحيطة بها.

 الوحدة في التصميم الخطي:

إن أي تصميم خطي بحاجة إلى الوحدة، وهو من أهم الأسس الجمالية للتصميم الخطي، ويعتبر أيضاً من أهم المبادئ الجمالية لإنجاحه، ذلك بأن ارتباط عناصره فيما بينها من حروف وكلمات وتشكيلات خطية لتكون جزءاً واحداً، فمهما بلغت دقة الحروف في حد ذاتها فإن التصميم الخطي لا يكتسب قيمته الجمالية من غير الوحدة التي تربط بين الحروف بعضها بالبعض الآخر ربطاً عضوياً وجعلها كلاً متماسكاً من حيث إخراج الكلمات الخطية وتشكيلاتها والزخارف إن وجدت في العمل الخطي، فإذا نظرنا إلى ما حولنا ووجدناه مشتتاً، مبعثراً، فوضوياً فإننا نقول بأن ذلك عكس التآلف والوحدة، حيث لا نستطيع أن نتحمل تشتت أفكارنا، فكيف بنا أن نتحمل ذلك إن كان فناً جميلاً. فالحروف المشتتة والكلمات المبعثرة هنا أو هناك وعدم الدقة في رسمها وضبط حروفها حسب النسبة الفاضلة لكل نوع من أنواع الخطوط العربية ننفر منها ولا نحب مشاهدتها أبداً، فالإنسان أو الحيوان هو ليس مجرد تجميع من الأجزاء، ولكنه نظام رتب على صورة أو منهج معين له وحدته وكيانه المتآلف، فهي التي تمكنه من أداء وظيفته، كذلك العبارات الخطية الجميلة هي ليست مجرد أجزاء من الحروف ولكنها نظام خطي متكامل يؤدي وظيفته اللغوية والجمالية من خلال تلك الأعمال الخطية الخالدة.

فالتصميم الخطي يبتعد أو يقترب من الكمال الفني أو الجمال بمقدار ما تترابط عناصر حروفه بمثل هذا الترابط الذي أشرت إليه عن الإنسان والحيوان آنفاً، فالوحدة تنشأ نتيجة الإحساس بالكمال الخطي وينبعث الكمال من خلال الاتساق بين الأجزاء.

فالوحدة تعني نجاح الخطاط في تحقيق تآلف الحروف والكلمات ضمن وحدة متناغمة من خلال:

– علاقة الحروف بعضها ببعض.

– علاقة الحروف والكلمات بالكل.

– علاقة الكلمات بالأسطر وتتابعها.

– جعل التصميم الخطي ذا وحدة عضوية.

kh02

 التناسب الخطي:

وهو من أهم الأسس الجمالية لفن الخط العربي، فهو مبدأ تصميم الحروف وهندستها، ويتضمن دلالة استخدام نسب الحروف مع بعضها البعض، وذلك بمعرفة نسبة طول الحرف مع عرضه. والنظام الخطي هو سر إعجاز طواعية الحروف وتصميمها ضمن ميزان خطي متكامل.

وهو النظام الهندسي المكتشف ليصف طبيعة العلاقات بين خواص مجموعة من الحروف (الأبجدية) وتصميمها بشكل هندسي واحد، مثل قياسات الحروف وأبعادها وأطوالها، وعرضها ودقتها والمسافات بينها ومواقعها في الكلمة الواحدة ونظام السطر الأفقي والعمودي فيها، وهذه كلها تتبع عرض القلم.

وقد قام الباحثون في مجال تصميم الخط العربي بتحليل الجوانب الكامنة في أشكال الحروف فوجدوا ما يسمى بالنسبة الفاضلة، وهذه النسبة هي بمثابة قانون لدى الخطاطين يرجعون إليه في ضبط حروفهم ولا يتجاوزونها، وهي عبارة عن اتخاذ الألف قياساً لبقية الحروف الأخرى، أي بمعنى أن تكتب الألف وبطول سبعة أضعاف النقطة المستخرجة من نفس القلم الذي كتبت به الألف، أي يكون عرض الألف مناسباً لطولها وهو من نقطة إلى سبع نقاط، ومن ثم تحيط بالألف دائرة يكون مركز الفرجار في وسطها، بهذا تستخرج دائرة حول الألف، هذه الدائرة تكون مقياساً لبقية الحروف الأخرى، لا تخرج عن الدائرة أبداً، فحرف الباء يجب أن يكون تسطيحها إذا أضيفت إليها سنها – مساوية لطول الألف وحرف الراء يكون مثلاً ربع محيطها.

kh03

وهنا لا بد من القول بأن الحرف يجب أن لا يأخذ طابعه الهندسي في التكوين، بل هذه النسبة يقدرها ذوق وفكر الخطاط، يقول ابن مقلة في رسالته “إن النسبة مقدرة في الفكر وأساسها أن تكون الألف قطر دائرة، وإن الراء ربع دائرة في نسبة مقدرة في الفكر، والنون نصف دائرة مقدرة في الفكر، والنون دائرة مقدرة في الفكر كذلك”، هذه الخصوصية سيكون لها تأثير روحي لدى الخطاط.

ويقول القلقشندي “والوجه في تصحيح الحروف أن يبدأ أولاً بتقويمها مفردة مبسوطة لتصبح صورة كل حرف منها على حيالها، ثم يؤخذ في تقويمها مجموعة مركبة وأن يبدأ من المركب بالثنائي والثلاثي وأن يعتمد في التمثيل على توقيف المهرة في الخطوط العارفين بأوضاعها ورسومها واستعمال آلاتها”. إن لغة النسبة الفاضلة للحرف، هي لغة تحليلية تظهر نتائج سريعة وواضحة ودقيقة حول قيمة الأجزاء بالنسبة لبعضها البعض وبالنسبة إلى الكلمة التي تكونه، وإدراك تلك القيمة العددية لنقاط الحروف يؤدي إلى استنباط أسرار التوافق أو التناسق بين مجموعة عناصر الكلمات الخطية والاهتداء بها هو الاهتداء إلى أسباب النظام الذي يحدد لكل عنصر مكانته الجمالية حسب أهميته وتأثيره بالنسبة للمجموعة الكلية.

ومن هنا نستنتج أن أسباب استخدام هذه النسبة الفاضلة في التصميم لفن الخط العربي هي:

– ضرورة تناسق أجزاء الحرف مع شكله الكلي (الطول، العرض، الدقة، المسافة).

– ضرورة الالتزام بدقة وعرض القلم، فالقلم الدقيق تكون كتابته دقيقة والعريض تكون كتابته عريضة بالنسبة نفسها.

– ضرورة إيجاد نظام ترتيب مناسب لوضع كل حرف من الحروف المفردة والمتصلة على السطر والمحافظة على هذا النظام.

– ضرورة أن تكون الخطوط القائمة للأحرف وانسياب الكلمات بنفس الاستقامة.

– ضرورة تأمين البنية المنتظمة للخط بإضفاء الشخصية الكاملة وأشكالها، وتعيين المسافات بين الحرف وبقية الكلمات.

– ضرورة إيجاد تناسب جمالي في طول وعرض الأحرف.

– تأكيد طابع ووحدة التكوين الخطي.

– ضرورة إيجاد وسيلة لتمييز أنواع الخطوط عن بعضها البعض، لذلك، فقد تم تثبيت مقاييس هندسية ثابتة بالنقط والدوائر لأطوال الأحرف وعرضها في كل نوع من أنواع الخط العربي وضعها مجيدو الخطوط العربية في كراريسهم وهي كما يلي:

طول حرف الألف من 1-7 نقاط في خط الثلث والكوفي

طول حرف الألف من 1-4 نقاط في خط النسخ

طول حرف الألف من 1-6 نقاط في خط الديواني

طول حرف الألف من 1-3 نقاط في خط الرقعة والفارسي

 وهذا لا يعني بأن كثيراً من الخطاطين من يطبق النسبة الفاضلة دون أن يشعر ومن غير قصد، وآخرون يطبقونها بالفطرة التلقائية من خلال تدريباتهم على أمثلة كبار الخطاطين، حيث لا يوجد تعارض بينهما أو بين الإحساس والذوق الفطري بالجمال والتفكير التناسبي لإنشاء أرقى جماليات الخطوط العربية.

القياس الخطي (تصميم عرض الأقلام):

إن لكل نوع من أنواع الخطوط العربية جمالية معينة ترتبط بمقاييس خاصة لعرض الأقلام، فخط النسخ مثلاً إذا كتب بقلم عريض يفقد أهم خاصية من خصائصه، وهي المرونة والليونة الكامنة في جماليته، ذلك لأنه يكتب به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والأدعية، وكلما التزم الخطاط بدقته وصغره كان أجمل، وقد درج الخطاطون حتى يومنا هذا باعتماد نسبة معينة لقياس عرض القلم حسب أنواع الخطوط العربية، وعلى الخطاط أن يراعي هذه النسبة حتى تكون متناسبة وهي كما يلي:

– خط الثلث العادي يكتب بقلم يتراوح قياس عرض سنه بين 2-3 مم.

– خط الثلث الجلي (أي الواضح) ويكتب بقلم يتراوح قياس عرض سنه بين 5-6 مم

– خط النسخ ويكتب بقلم قياس عرض سنه لا يتجاوز 1 مم.

– خط التعليق ويكتب بقلم قياس عرض سنه بين 2-3 مم.

– خط التعليق الجلي ويكتب بقلم قياس عرض سنه بين 6-8 مم.

– خط الرقعة ويكتب بقلم عرض سنه لا يتجاوز 2 مم.

– الخط الديواني ويكتب بقلم قياس عرض سنه لا يتجاوز 2 مم.

– الخط الديواني الجلي ويكتب بقلم قياس عرض سنه بين 3-5 مم.

– الخط الكوفي ويكتب بقلم قياس عرض سنه 5مم.

– خط الإجازة ويكتب بقلم قياس عرض سنه لا يتجاوز 1 مم.

وقد التزمت اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي بهذه المقاييس المتعارف عليها من قبل الخطاطين في العالم الإسلامي الحديث في مسابقاتها التي تنظمها دولياً لفن الخط العربي كل ثلاثة أعوام في اسطنبول. وقديماً كانوا يقدرون قياس عرض سن الأقلام بشعر البرذون فالثلث مثلاً عرض سنه 8 شعرات من شعر البرذون وهو حيوان شبيه بالحصان … الخ.

kh04

 الكلمة المحورية في التكوين الخطي:

وهي قدرة الخطاط على تصميم عمل خطي يراعى فيه الاهتمام والتركيز على كلمة معينة ذات أهمية تخدم الموضوع الخطي، وذلك حتى يجذب عين المشاهد للوحة الخطية إلى معنى هذه الكلمة التي يريد أن يوصلها لعين المشاهد والتأثير بها معنوياً والالتزام بها وتطبيقها في حياته اليومية سواءً أكانت من (القرآن الكريم أو من الحديث الشريف أو من الشعر أو من الأقوال المأثورة …).

فيجب على الخطاط المصمم دائماً أن يقوم بترتيب الكلمات باتجاه الكلمة المحورية دائماً، إما باستخدام قلم عريض أو أن تلتف الكلمات الأخرى حولها أو أن يمتد حرف معين من حروفها، ويمكنه أيضاً أن يجعل الكلمات الأخرى غير الأساسية وامتدادها أن تتجه إلى عمق العمل الخطي، أو وضعها في مكان مميز وجذاب.

 البساطة والوضوح:

البساطة هي سر التصميم الخطي الجيد، فالكتابة الخطية التي تملأها كلمات كثيرة لا تصنع تصميماً جيداً، والتصميم البسيط هو التصميم الاقتصادي في استخدام الخط والشكل والحروف وأنواعها، وهو أيضاً يتميز بالأسلوب المتناغم الموحد.

فالمقياس الصحيح لاختيار التصميم البسيط والجيد هو استحالة رفع أي حرف أو كلمة أو أي شيء من العبارات المخطوطة حتى إن لزم الأمر التشكيلات التزيينية من دون القضاء على معانيها، فكل عنصر عديم الأهمية في الصورة يقتضي جانباً من انتباه الناظر من دون مبرر مثل هذه العناصر المرتبة المشتتة للانتباه قد تفقد الناظر الإحساس بالموضوع الرئيس. يجب أن تظهر الأحرف والكلمات حرة من التكلف في الحركات والتزيين، من جهة أخرى فالموضوع الرئيس في التصميم الخطي يؤثر كثيراً في عين المشاهد، إذا ظهرت كلمات واضحة التراكيب والمعاني لا لبس فيها خالية من التداخلات التي قد تقرأ بشكل قد يفسد المعنى الحقيقي للموضوع، فالخلفية للكلمة الخالية من أية زخارف أو لون مشابه للون الكلمة قد يؤثر ذلك على وضوح العبارات الخطية.

فالمشاهد قد يبتعد سريعاً عن التصميم غير الواضح أو الكلمات الغامضة أو الذي يضم كلمات متنافرة، فيجب أن يحدد موضع كل حرف أو كلمة داخل العبارة الخطية المتكاملة العناصر بطريقة تحقق توافقات تسهِّل القراءة وتؤدي أيضاً إلى الإحساس بالجمالية، وتدخل الفرح والسرور إلى النفس الإنسانية.

 الانسجام:

وهو عبارة عن تآلف الحروف والكلمات بعضها مع بعض في وحدة متناغمة، وهو يشبه الطبيعة بترتيبها وتناغمها الرباني، فهو إذن الترتيب، ولكن ليست الحروف مع نفسها وبشكل واحد أنها متنوعة أيضاً، متنوعة في ملء الفراغ وبمختلف الأحجام والأشكال والألوان أيضاً، ولكن هذا التنوع لا يخرج عن الوحدة المتآلفة، فترتيب الحروف والكلمات لا ينفي ذلك من تنوعها بل يتكامل معها، وإذا تحقق هذا التكامل أصبح لدينا تصميم خطي منسجم وموجود. فنفور العين وابتعادها عن التكوين الذي يحوي كلمة ذات حروف متنافرة وغير متكاملة من نفس النوع، كأن يجمع الخطاط مثلاً بين خط الثلث والخط الديواني في كلمة واحدة أو أن يجمع بين الخط الكوفي واليابس وخط النسخ اللين في كلمة واحدة، وهذا لا يعني عدم تجاور نوعين من الخطوط في تصميم واحد. فإذا انسجم العمل الخطي اكتمل من كل جوانبه وهو دليل على مستوى الخطاط الثقافي وذوقه الفني.

والأحرف في غالبيتها من النوع المتصل، وهي الخاصية التي تساعد في ظهور أشكال خطية منسجمة ذات تراكيب متنوعة وجميلة، والانسجام الخطي أكثر ما يظهر من خلال التراكيب الخطية ذات تناسق جديد بنسب ومقاييس جديدة عند توصيل الحروف، والخطاط المبدع هو الذي يبتكر تراكيب خطية جديدة تتصف بالانسجام التشكيلي المتكامل.

المراجع:

– إسماعيل شوقي، “الفن والتصميم”، 1998.

– فوزي سالم عفيف، “نشأة وتطوير الكتابة الخطية العربية ودورها الثقافي والاجتماعي”، الكويت، (د.ن) 1980.

– محي الدين سيرين، “صنعتنا الخطية”، 1994.

– وليد الأعظمي، “تراجم خطاطي بغداد المعاصرين”، 1977.

– محمد طاهر الكردي، “تاريخ الخط العربي وآدابه”، 1982.

– عبد كيوان، “الرسم بالألوان المائية، بيروت”، دار مكتبة الهلال، 1988

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart