المدونة

تاريخ الخط العربي.. المسار الزمكاني للتطور (2)

الكاتب: قبة الصخرة المشرفة زُينت كتاباتها بالخط الكوفي في عهد عبدالملك بن مروان الأموي (الجزيرة)

  • الخط العربي في العصر الأموي :

لم تعمر الدولة الأموية طويلا، إذ لم تتجاوز تسعة وثمانين عاما، وهي مدة قصيرة إذا ما قورنت بعمر الخلافة العباسية أو العثمانية. وفي هذا العهد بدأت إرهاصات التوسع العلمي والمعرفي، الذي شمل مختلف ميادين العلوم؛ سواء الشرعية منها كالفقه والتفسير والسيرة، أو الأدبية كالشعر واللغة، أو المادية كالفلك والطب والجغرافيا والتاريخ.

وقد أخذ الخط العربي يواكب متطلبات النسخ والكتابة، وازداد ذلك بعد أن قام الخليفة عبدالملك بن مروان بتعريب الدواوين، وضرب العملة بالعربية، وبناء المساجد وزخرفتها بالخطوط، ومن أبرزها قبة الصخرة المشرفة التي زينت كتاباتها بالخط الكوفي.

ومن الخطاطين الذين عرفوا في هذا العهد خالد بن الهياج، الذي اشتهر بكتابة المصاحف. غير أن الخطاط الأبرز كان قطبة المحرر، الذي ظهر في أواخر الدولة الأموية، وبدأ بتجويد الخط العربي انطلاقا من الكوفي، وينسب إليه استخراج أقلام الطومار والجليل. إلا أن التاريخ لم يحفظ لنا الكثير من أخبار قطبة المحرر ومعاصريه.

أعقب ابن البواب ياقوت المستعصمي، الذي عرف بـ”قبلة الخطاطين”، وكان كاتبا في بلاط الخليفة المستعصم بالله في بغداد. وقد ذاع صيته وعاش طويلا، وترك تلاميذ انتشروا في أصقاع مختلفة

الخط في العصر العباسي

مع انتقال حاضرة الخلافة من دمشق إلى بغداد، بزغت أسماء لخطاطين في بدايات العهد العباسي، منهم: الضحاك بن عجلان، وإسحاق بن حماد، وإبراهيم الشجري وأخوه يوسف. ثم وصل القلم إلى يد الوزير الخطاط ابن مقلة.

كان ظهور ابن مقلة فتحا في عالم الخط العربي وتحولا بارزا في مساره، إذ كان أول من وضع القواعد الضابطة لرسم الحرف العربي عبر معايير دقيقة، منها: النقطة، والنِسبة، والأسطر الأفقية والعمودية.

وبهذا ضبط أشكال الحروف، واهتم بالأقلام الستة: الثلث، والنسخ، والمحقق، والريحان، والرقاع، والتواقيع. فانتقل الخط العربي معه من طور الفوضى إلى الانضباط والدقة (انظر ترجمته في باب تراجم الخطاطين).

ثم جاء بعده الخطاط ابن البواب (علي بن هلال)، الذي أخذ الخط عن ابن أسد، تلميذ ابن مقلة، فأحكم الحروف وجوّدها، وترك آثارا محفوظة وصل إلينا بعضها.

وأعقب ابن البواب ياقوت المستعصمي، الذي عرف بـ”قبلة الخطاطين”، وكان كاتبا في بلاط الخليفة المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس في بغداد. وقد ذاع صيته وعاش طويلا، وترك تلاميذ انتشروا في أصقاع مختلفة.

وعند ياقوت تنتهي سلسلة تطور الخط في المشرق، لينتقل بعده إلى الدولة الأيوبية ثم العثمانية والمغرب العربي، حيث تطور في مسارات شتى، لكن المسار العثماني تميز بالزخم والازدهار.

 

الخط في العهد المملوكي

بعد معركة عين جالوت، التي انتصر فيها المماليك بقيادة السلطان قطز على التتار، تولى الحكم الظاهر بيبرس. وسرعان ما استقدم أحد أبناء بني العباس، وهو أحمد المستنصر بالله، ونصبه خليفة صوريا للدولة، لتغدو القاهرة مركز الخلافة العباسية. ومع استقرار الدولة ازدهرت العلوم والفنون، وكان الخط العربي أبرزها.

ويذكر التاريخ من خطاطي تلك المرحلة: طبطب، وأبو رقيبة، وشمس الدين الزفتاوي، وعفيف الدين، وابن الصايغ.

حمل راية الخط في هذه المرحلة حمد الله الأماسي، الذي لقي تشجيعا من السلطان بايزيد بن محمد الفاتح، فارتقى بالخط إلى آفاق جديدة

الخط في العصر العثماني ونهوضه

بعد اجتياح التتار الشرق العربي وتدمير بغداد وما تبعه من سقوط الخلافة، انتقل مركز الحضارة الإسلامية إلى دمشق ومصر، ثم إلى الدولة العثمانية الناشئة، التي ما لبثت أن تمددت قوة غربا وجنوبا.

ومع الفتوحات العثمانية وضم العراق والشام ومصر والحجاز، انتقل الثقل السياسي والحضاري إلى الأناضول، ثم إلى إسطنبول عاصمة الخلافة بعد فتحها على يد السلطان محمد الثاني (الفاتح).

وقد أولى العثمانيون الخط العربي عناية فائقة لارتباطه بالدين والهوية، وحرص بعض سلاطينهم على إتقانه بأنفسهم، مثل السلطان محمود الثاني والسلطان عبدالمجيد الأول، حيث تركا خطوطا جميلة متقنة.

وقد حمل راية الخط في هذه المرحلة حمد الله الأماسي، الذي لقي تشجيعا من السلطان بايزيد بن محمد الفاتح، فارتقى بالخط إلى آفاق جديدة. وتتلمذ عليه عشرات الخطاطين الذين نشروا فنه على مدى قرون، حتى غدا من العسير حصر أسمائهم، غير أن الفحول منهم بالمئات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *