تاريخ الخط العربي.. المسار الزمكاني للتطور (3)
متابعة لما سبق، نستعرض مسار تطور الخط العربي في القرن العشرين “1 ، 2” في مختلف دوله.
في سوريا
من تركيا العثمانية انتقلت الخطوط إلى باقي الدول العربية؛ فقد ابتعث السلطان العثماني عبدالحميد الثاني الخطاط يوسف رسا إلى سوريا عام 1893، لترميم خطوط الجامع الأموي الكبير في دمشق بعد الحريق الذي ألم به، وهناك تتلمذ على يديه عدد من الخطاطين، كان منهم: ممدوح الشريف، ومحمد بدوي الديراني، ومحمد حسني البابا، ونجيب هواويني.
تسلم الراية في دمشق الخطاط الكبير محمد بدوي الديراني، الذي يُعد بحق عميد خطاطي بلاد الشام، وقد تتلمذ على يديه عدد كبير من الخطاطين المعروفين، منهم: محمود الهواري، وأحمد الباري، وأحمد المفتي، وأخيرا الخطاط عثمان طه، الذي كتب مصحف المدينة المنورة.
وازداد الخط في سوريا توسعا وانتشارا، ومن أبرز الخطاطين المعاصرين: عبيدة البنكي، الذي كتب مصحف قطر في بداية الألفية الجديدة.
وُلد الخطاط المصري الكبير، الشاعر والأديب المعروف السيد إبراهيم، قبل تأسيس الكلية بنحو 25 سنة، في حي القلعة بالقاهرة، وزامل الخطاطين الذين قدموا إلى مصر، وبلغ بالخط شأوا عاليا
في مصر
ومن سوريا وتركيا انتقلت عدوى الخط إلى مصر؛ فمن سوريا حضر الخطاط نجيب هواويني واستقر هناك، وذاعت شهرته حتى اصطفاه السلطان فؤاد الأول عام 1917 (والذي صار لاحقا الملك فؤاد الأول) ليكون خطاط الحضرة السلطانية.
كما حل بمصر الخطاط السوري المتألق محمد كامل حسني البابا 1912، قادما من دمشق، وعُين مدرسا للخطوط في المعهد الملكي للخط العربي، ثم افتتح ورشة خاصة به في الحفر والزنكوغراف.
وفي 1922 أسس الملك فؤاد الأول الكلية الملكية للخط العربي، واستقدم إليها الخطاط التركي الكبير محمد عبدالعزيز الرفاعي لتدريس الخطوط. وقد عمل في الكلية نفسها الخطاط حسني البابا، والخطاط نجيب هواويني، والخطاط السيد إبراهيم.
وُلد الخطاط المصري الكبير، الشاعر والأديب المعروف السيد إبراهيم، قبل تأسيس الكلية بنحو 25 سنة، في حي القلعة بالقاهرة، وزامل الخطاطين الذين قدموا إلى مصر، وبلغ بالخط شأوا عاليا، واستمر حاملا شعلته عمرا طويلا، حتى عُد عميد الخطاطين المصريين.
ومن أبرز الخطاطين أيضا: عبدالله الزهدي، ومحمد إبراهيم مؤسس مدرسة تحسين الخطوط بالإسكندرية، ومحمد مؤنس، وغزلان بك، ويوسف أحمد، وسيد مكاوي، والشحات، وعبدالرزاق سالم، ومحمد أحمد عبدالعال.
في العراق
ظهر الخط في بغداد على يد جملة من الخطاطين، برز منهم بقوة الخطاط هاشم محمد البغدادي، الذي وُلد عام 1917، وأولِع بالخط منذ صغره، فنقله نقلة نوعية ليس في العراق فحسب، بل في سائر الدول العربية. لكن هاشما لم يُعمر طويلا، إذ توفي عن عمر 56 سنة.
كما برز الخطاطون: صبري الهلالي، ومهدي الجبوري، والباحث الخطاط يوسف ذنون الموصلي، وخليل الزهاوي، وعباس شاكر جودي الذي انتهت إليه رياسة الخط في العراق قبل مهجره، وحسن قاسم حبش، وعبدالكريم الرمضان، والدكتور سلمان إبراهيم، وصادق الدوري، ورضا بهية، وصلاح شيرزاد، ومحمد سعيد الصكار، ومحمد البلداوي، وجاسم الديلمي. والعشرات من تلامذة هؤلاء يشكلون اليوم المدرسة العراقية في الخط العربي.
الفتح الأكبر كان في ظهور خط النستعليق على يد مير علي التبريزي في أواخر القرن الـ 14، الذي دمج بين خطي النسخ والرقعة، وأبدع فيه حتى سُمي “عروس الحرف الفارسي” لتناغمه مع طبيعة الفرس
في إيران وفارس
لم تكن الحروف العربية مستخدمة في إيران وفارس قبل الإسلام؛ ففي العصور القديمة، في عهد الدولة الأخمينية (550) قبل الميلاد، كانت الكتابة السائدة هي المسمارية الفارسية القديمة. ثم شاع في العهد الساساني الطويل (250) قبل الميلاد استخدام الخط البهلوي، وهو خط مشتق من الآرامي، وحروفه تشبه الخط النبطي الذي يُعد أصل الحرف العربي أيضا.
بعد الفتح الإسلامي بدأت العربية تفرض نفسها تدريجيا لغة دين وعلم وإدارة، وبدأ الإيرانيون يستخدمون الحرف العربي بعد أن أضافوا إليه حروفا تناسب الفارسية مثل: پ، ژ، ڜ، گ.
وبعد سقوط بغداد على يد التتار 1258، توزعت مراكز الحضارة الإسلامية إلى الشرق أيضا، فكان منها أصفهان وسمرقند. وبرزت في فارس دول مثل: الإيلخانيين (1256–1353)، والجلائريين (1340–1432)، والتيموريين (1370–1507)، والصفويين (1501–1735)، والزنديين والقاجاريين والبهلويين.
وقد انتقل إليهم الخط العربي، الذي بدأ بالكوفي المزهر والمورق المستخدم في تزيين العمائر، ولكنه حمل الذائقة الفارسية وخصوصية الثقافة المحلية، وبقي كذلك حتى ظهر خط التعليق الفارسي، الذي أبدعه حسن الفارسي، فتلقفته إيران باهتمام وكأنها رأت فيه تعبيرا عن ذاتها.
أما الفتح الأكبر فكان في ظهور خط النستعليق على يد مير علي التبريزي في أواخر القرن الـ14، الذي دمج بين خطي النسخ والرقعة، وأبدع فيه حتى سُمي “عروس الحرف الفارسي” لتناغمه مع طبيعة الفرس، وصار الخط الرسمي لنسخ الشعر الفارسي، خاصة أعمال حافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي.
وفي عهد التيموريين بلغ الخط العربي عصره الذهبي، بالذات في هراة وسمرقند، إذ تلقى رعاية شخصية من السلطان تيمور والسلطان بايقرا، وبرز فيه الخطاط الأسطوري سلطان علي المشهدي.
ثم جاء عهد الصفويين، فدعم الملوك الفنون والخطوط، وارتبط الخط بالمنمنمات الفارسية المميزة مع التذهيب والزخرفة، وبرز في عصرهم الخطاط القدوة مير عماد الحسني، الذي قُتل اغتيالا، ويُعتبر من أعظم من كتب الخط الفارسي في التاريخ. ولا تزال أعماله تُدرس وتُقلد حتى اليوم.
وفي عهد الصفويين ظهر خط “الشكسته” (المتكسِر)، وهو خط عجيب لافت، لكن صعوبة كتابته وقراءته حكمت عليه بالتراجع والاندثار.
وفي العصور الأخيرة ظهر خطاطون مثل: محمد حسين كَشيده، ومحمد رضا الكلباسي، وغلام حسين أميرخاني، وكريم زاده تبريزي.
الخط المغربي بدأ يتشكل تدريجيا متمايزا عن الكوفي المشرقي، وظهرت له ملامح منها أن حروفه قصيرة وعريضة، ونقاطه دائرية بدلا من المربعة، مع كثرة استخدام الألوان والزخارف
الخط في المغرب العربي
مر تطور الخط في المغرب العربي بالمراحل التالية:
- مرحلة الفتح الإسلامي.
- العصر العباسي وانتشار الخط الكوفي.
- ولادة الخط المغربي.
- عهد المرابطين والموحدين.
- تأثير الأندلسيين.
- العهد العثماني.
- الاستعمار الحديث.
- عصر النهضة.
دخل الخط العربي إلى المغرب مع الفتح الإسلامي على يد عقبة بن نافع، في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وكان الخط المستخدم هو الحجازي البدائي، ثم الكوفي الذي استُخدم في كتابة المصاحف والنقوش على المساجد، وخاصة في مدينة القيروان بتونس بعد أن أصبحت مركزا دينيا وعلميا.
لكن الخط المغربي بدأ يتشكل تدريجيا متمايزا عن الكوفي المشرقي، وظهرت له ملامح منها أن حروفه قصيرة وعريضة، ونقاطه دائرية بدلا من المربعة، مع كثرة استخدام الألوان والزخارف.
وفي عهد المرابطين ثم الموحدين تطور الخط العربي إلى:
- المبسوط: يُستخدم في نسخ المصاحف.
- المجوهر: للزخرفة والعناوين.
- المسند: يشبه الخط الأندلسي.
وبعد سقوط الأندلس ارتحل الخط الأندلسي إلى المغرب، فصار الخط فيه مزيجا من المغربي والأندلسي.
وفي العهد العثماني، ورغم أن الدولة العثمانية لم تصل إلى شواطئ الأطلسي، فإن الخطوط العثمانية كالثلث والنسخ وصلت إلى المغرب، لكنها لم تُلغِ الخط المغربي، بل بقي موازيا لها.
وفي عهد الاستعمار الفرنسي حوربت الثقافة العربية واللغة العربية والخط العربي بلا هوادة، حتى صارت الفرنسية لغة التعليم والقراءة، ورغم ذلك حافظت بعض المدارس التقليدية مثل الزوايا والكتاتيب على تعليم الخط المغربي.
ثم جاءت مرحلة الاستقلال، إذ بدأت حركات ثقافية تهتم بإحياء الخط المغربي، وظهرت جمعيات للخط، وأقيمت معارض ومسابقات، وبرز خطاطون مثل: محمد البندوري، وعبدالسلام البقالي، ومحمد عبدالحميد.
كما أُدخل الخط المغربي في التصميم الغرافيكي والهويات البصرية الرسمية، ولا يزال مستخدما حتى اليوم في كتابة المصاحف، رغم دخول خطوط الطباعة الحديثة.
واللافت هنا تشابك الأسماء؛ فـ”القيرواني” مثلا مستخدم في برامج الحاسوب لكنهم يطلقون عليه “الأندلسي”، أما “المغربي” فهو الخط الأقرب إلى الأندلسي القديم. وبرأيي، إن الخط المغربي ينقسم إلى نوعين رئيسيين: القيرواني والمغربي.